بات الاتجار في الأعضاء البشرية حقيقة لا يمكن نكرانها، حيث تُعدّ مصر من أسوأ البلدان في محاربة جريمة الاتجار بالبشر، بشكل خاص في الآونة الأخيرة، ويُصنَّف الاتجار في المرتبة الثالثة بعد تجارة المخدرات والسلاح، من حيث المردودات المالية التي تُحقّقها.
كما يُعدّ الاتجار بالبشر شكلاً من أشكال الجريمة المنظمة الدولية التي تدرّ مليارات الدولارات، وتمثّل الاسترقاق في العصر الحديث، ويُستدرج ضحايا الاتجار بالبشر عن طريق الخداع أو الإكراه، ويُتجر بهم بين البلدان والمناطق، ويُحرَمون من استقلاليتهم وحرّيتهم في التنقل والاختيار، ويتعرَّضون لمختلف أشكال الإساءة الجسدية والنفسية.
ويُقسَّم الاتجار بالبشر إلى ثلاثة أنواع رئيسية هي: الاتجار لأغراض السخرة؛ الاتجار للاستغلال الجنسي؛ الاتجار بالأعضاء البشرية.
شبكة دولية للاتجار بالبشر تضم 20 مصرياً وأجنبياً
كشفت هيئة الرقابة الإدارية، اليوم الخميس، عن شبكة دولية للاتجار في البشر ضمَّت (20) متهماً من المصريين والأجانب من جنسيات عربية وأوروبية؛ تورّطوا في جرائم استغلال حاجة بعض السيدات ومارسوا الضغوط عليهنّ؛ للاشتراك في أعمال منافية للآداب وجلب مخدر “الهيروين” و”الآيس” و”الكرستال” و”الترامادول” من تركيا والهند عبر المنافذ الجوية والبرية وترويجها على عملائهم من الشباب.
وبالعرض على المستشار النائب العام أصدر قراراً بندب نيابة الأموال العامة؛ للتحقيق في القضية، حيث أسفرت أعمال المراقبات السرية – نفاذاً لإذن النيابة العامة – عن تأكيد الوقائع وتوثيقها.
وصدر قرار بضبط كافة المتهمين وتفتيش مقار سكنهم وعملهم وأحد الكافتيريات المشبوهة بمنطقة المهندسين، حيث تمكّنت فجر اليوم عناصر هيئة الرقابة الإدارية مدعومة بمجموعات من القوات الخاصة بوزارة الداخلية من ضبط المتهمين وكميات من المخدرات، وجارٍ عرضهم على نيابة الأموال العامة، ومن المنتظر أن تكشف التحقيقات عن تورُّط عدد كبير من الشخصيات وإحدى المطربات المغمورات التي أُثير عنها جدل في الفترة الأخيرة.
مصر الأسوأ في محاربة الاتجار بالبشر
ووضعت الولايات المتحدة في تقرير سنوي صادر عن وزارة الخارجية الأمريكية حول “الاتجار بالبشر” واستعباد الأفراد نتيجة لفقرهم واستغلالهم في شبكات تسول وسرقة وتهريب والتشغيل القسري للأطفال.
وفي مصر؛ قال التقرير: إنها بلد المصدر والعبور، وكذلك المقصد للنساء والرجال الذين يتعرضون للعمل القسري والاستغلال الجنسي، مشيراً إلى أن الأطفال المصريين عرضة للأمر نفسه من خلال العمل المنزلي والتسول في الشوارع والعمل الزراعي.
وأشار إلى أن اللاجئين السوريين الذين استقروا في مصر “ما زالوا عرضة بشكل متزايد للاستغلال، بما في ذلك العمل القسري للأطفال، والاتجار بالجنس، والزواج من الفتيات، والذي يمكن أن يؤدي إلى الاستغلال الجنسي والعمل القسري. كذلك الأمر بالنسبة للمهاجرين غير الشرعيين وطالبي اللجوء الذين يمرون بهذا البلد في طريقهم إلى أوروبا”.
ورأى التقرير أن الحكومة المصرية لا تُلبّي تماماً الحد الأدنى من المعايير للقضاء على الاتجار، مستدركاً “إلا أنها تبذل جهوداً كبيرة للقيام بذلك”.
دول أخرى وقعت في الفئة الثانية لكنها تحتاج لمراقبة، حيث تقوم الدول التي شملها هذا التصنيف “بمجهود ضئيل فى مجال مكافحة الاتجار بالأطفال”، ومن بين هذه الدول: أفغانستان، بنين، بوليفيا، بلغاريا، الكاميرون، الصين، الكونغو الديمقراطية، الكونغو، الجابون، غانا، غينيا، النيجر، سلطنة عُمان، باكستان، قطر.
وجاءت كل من: كولومبيا، وقبرص، وليتوانيا، والفلبين، وبلجيكا، والتشيك، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، والبرتغال، ودول أخرى في الفئة الأولى التي قال التقرير: إن حكوماتها تقوم بتلبية الحد الأدنى من المعايير لحماية الضحايا من الاتجار بالبشر.
كما أدرج التقرير الأمريكي كلاً من: اليمن وليبيا والصومال، في قائمة الدول الاستثنائية.
لماذا مصر..؟
وهناك عدة أسباب جعلت مصر أرضاً خصبةً لهذه التجارة منها:
أولاً: المعاناة بسبب الظروف المادية:
شهدت مصر في الأشهر الأخيرة انزلاقات كبيرة في الأوضاع الاقتصادية، وتزداد الظروف الاجتماعية سوءًا لمختلف طبقات المجتمع المصري؛ جراء حدوث ارتفاع كبير في معدلات التضخم لم تشهده البلاد منذ سنوات.
وكشفت منظمة الصحة العالمية أن مصر تعتبر واحدة من بين خمس بؤر عالمية للاتجار بالأعضاء البشرية، مشيرةً إلى أنه يتم سنوياً إجراء 1500 عملية زرع أعضاء غير قانونية.
ويرى المراقبون أن الفقر هو السبب الأول الذي يدفع عدداً من المصريين لبيع أعضائهم لمرضى عرب وأجانب مقابل مبالغ مادية هزيلة.
في المقابل، تنتشر عمليات بيع الأعضاء أو سرقتها من خلال عصابات منظمة تضم مستشفيات وأطباء وسماسرة بالإضافة إلى سوق مفتوحة من البائعين الفقراء.
وما يوسّع دائرة الاتجار بالأعضاء ارتفاع حالات تهريب الأفارقة عبر الحدود المصرية، حيث يجبرون على بيع أعضائهم أو يقتلون ثم تسرق منهم.
وعلى الرغم من أن مصر أقرت قانوناً ينظم زراعة الأعضاء ويُغلّظ عقوبة الاتجار بها، إلا أن كثيرين يرون أن أدوات تطبيق القانون تواجه صعوبة على الأرض في ظل تحايل العصابات.
ثانياً: اعتماد التجار على الوسائل الإجرامية: مثل خطف المواطنين وخاصة الأطفال، والقيام بسرقة أعضائهم تحت التخدير.
ثالثاً: وجود العديد من المهاجريين الأفارقة في مصر بصورة غير شرعية: حيث يلجأون إلى مصر؛ لأنها البوابة الأكثر أماناً لقارة أوروبا، ومع عدم توافر الأموال اللازمة للهجرة غير الشرعية تتحول أجساد الأفارقة إلى سلع تباع وتشترى، ونادراً ما يتقدم أحدهم بشكوى لارتفاع نسبة الأمية بينهم.
وقد أشار تقرير الاتجار بالبشر الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية العام الماضي إلى أن الأعضاء التي تمَّت سرقتها من الأفارقة بعد قتلهم، تباع داخل “إسرائيل” بمبالغ تتراوح بين 100 و150 ألف دولار.
ضحايا الاتجار بالبشر
ويقول أحد الضحايا: إنه كان يعاني من ظروف مادية صعبة، جعلته يبحث عن الأموال بشتى الطرق، وتعرَّف على المتهمين الذين عرضوا عليه بيع كليته مقابل 20 ألف جنيه.
وأضاف الضحية، أن المتهمين أعطوه 10 آلاف جنيه، ووعدوه بالحصول على باقي الأموال بعد إجراء العملية الجراحية، لافتاً الى أن العمليات الجراحية يتم إجراؤها داخل مستشفى خاصة في منطقة “المعادي”، من خلال طبيب يقود العصابة المتخصصة في الاستيلاء على الأعضاء البشرية من البسطاء.
سرقة عين متوفي
وكشف المواطن “أحمد عبد التواب” – المقيم بمدينة “الخصوص” بالقليوبية – بأن شقيقه الموظف الذي توفى بمستشفى القصر العيني، وأثناء إجراء عملية الغُسل له اكتشف سرقة قرنية عنيه.
وقال “عبد التواب”، في تصريحات إعلامية: إنه أثناء غُسل شقيقه فوجئ بإحدى عينيه تسيل منها الدماء وأخرى مجرى بها عملية وعليها خيط، موضحاً أن شقيقه كان محتجزاً لمدة أسبوع بالقصر العيني؛ لإجراء عملية قسطرة، والتي كان من المقرر إجراؤها قبل الوفاة بيوم، ولكن فوجئ بشقيقه المتوفى يبلغه بأن الأطباء قرروا إلغاء العملية والاكتفاء بأدوية.
وأضاف “عبد التواب” “أنه فوجئ بوفاة شقيقه، وأن تقرير الوفاة يُشير إلى أن سببها هو هبوط في الدورة الدموية”، موضحاً أن “أحد الأطباء قال له: إن شقيقه كان على قيد الحياة أثناء أخذ قرنية عينيه، حيث لا تصلح بعد الوفاة”، مطالباً “المسؤلين بالتحقيق في الواقعة”، متسائلاً: “كيف للمستشفى أن تأخذ جزءاً من جسم إنسان دون علم أو موافقة أهله؟”، مؤكداً أنه لن يترك حق شقيقه حتى يعرف مَن المسؤول عن ذلك؛ لأن ما حدث هو “تجارة أعضاء”.
يذكر أن نيابة مصر القديمة كانت قد قررت التصريح بدفن جثة موظف توفى داخل مستشفى قصر العيني بعد تعرضه لسرقة قرنية عينه، كما كانت النيابة قد قررت في وقت سابق تشريح جثة المتوفى “محمد عبد التواب”؛ للتأكد من تعرضه لسرقة أعضاء من جسده من عدمه.
ضرورة تغليظ العقوبة
من جانبه، قال اللواء “رفعت عبد الحميد” – الخبير الأمني -: إن “الاتجار بالبشر” يعد من جرائم ما بعد الثورات، حيث يعتمد الجناة على جمع الأموال من خلال اختطاف الأطفال وبيعهم، أو من خلال نزع الأعضاء البشرية من الكبار لنقلها لأشخاص آخرين.
وأضاف الخبير الأمني في تصريحات إعلامية: “جرائم اختطاف الأطفال حديثي الولادة ظهرت في البداية بمساعدة بعض الممرضات، وتؤدي لاختلاط الأنساب، وللأسف العقوبات هزيلة وضعيفة ويتم اعتبار هذه الجرائم جُنحاً؛ لذا بات من الضروري تغليظ العقوبات”.
ولفت الخبير الأمني، إلى أن القائمين على اختطاف الأطفال وبيعهم في الأعم الأغلب يكونون سيدات، وأن الأمر بات يحتاج لتعريف المواطنين بالأمن الذاتي، مما يعني حماية الأشخاص لأطفالهم من الاختطاف وحماية الكبار من نزع الأعضاء.
شارك برأيك
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الثورة اليوم وإنما تعبر عن رأي أصحابها